بسم الله الرحمن الرحيم
(لقد ارسلنا رسلنا بالبينات وانزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط) (الحديد 25)
(ان الله يأمر بالعدل والإحسان وايتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر) (النحل 90)
1.الايتان من سورتين مختلفتين في الأولى نجد ان هدف جميع الأديان السماوية هو إقرار موازين العدل وفي الثانية يعطف العدل والإحسان ويجعله في قبال الفحشاء والمنكر .
2.سأل احدهم عليا (ع) ايهما افضل العدل ام الجود ؟ فقال : (العدل يضع الأمور مواضعها والجود يخرجها من جهتها, والعدل سائس عام والجود عارض خاص) أي ان العدل يعطي كل ذي حق حقه وهو أساس عام للإدارة والحياة الاجتماعية في حين الجود ان يتنازل المرء عن حقه فيخرج بذلك الأشياء من مواضعها وهو حالة استثنائية عرضية خاصة بمن يؤثر غيره على نفسه.
وعليه فلا يمكن ان نعتبر الاحسان والجود اساسين من أسس الحياة الاجتماعية العامة كالعدل وان الانسان يجود للكرم او الرفعة او السمو او حب السمعة او حب الحياة حتى لذلك فالعدل افضل!
2.هناك فروقات بين الاحسان والعدل من منظورين مختلفين هما الأخلاقي وفيها يفضل الاحسان والجود لان العدل إعطاء كل حقه وعدم التجاوز على حقه اما الجود فاضافة لذلك فانه يعطي حقه لغيره وهذه مرحلة متقدة أكيدا!
من جانب اخر فالمنظور الاجتماعي يختلف ويكون العدل اليه كالعمد في حين الجود كالزينة وطبيعيا ان يقدم العمد على مادونه.
3.يقول الأمير (ع) : (فان في العدل سعة ومن ضاق عليه العدل فالجور عليه اضيق) وهنا إشارة الى ان العدل يتسع للجميع واذا ضاق منه فسيكون الجور عليه اضيق وبئس بدلا !
ومن مصاديق ذلك ان اكثر الضغوط على الانسان المعنوية منها فاذا أقيم العدل لايستطيع احد ان يطمع او يحسد الخ.
4.هناك مصطلحات ذي صلة منها المساواة والتمايز وطبعا في الإسلام الفرص يجب ان تكون بالتساوي للكل بلا فرق اما المكافئات ففيها تمايز مثلا المريض ليس كالصحيح وهكذا.
5.يطرح سؤال اذا كان الإسلام يعطي العدالة تلك الأهمية فما هذا الظلم ؟
والجواب لاشك أولا من الخلافة الاموية التي ازالت العدل العلوي عن مكانه ثم ثانيا ظهر في النصف الثاني من القرن الهجري الأول علماء الكلام (العقائد) ومن المسائل التي جرى النقاش عليها هي العدل الإلهي فقال الشيعة ان الله عادل وقال اخرون ان الله فوق العدل والظلم حر بعمله تكوينيا اما تشريعيا فما يقوله الدين هو الصحيح حتى وان كان ظلما!
طبعا اختلفوا أيضا في الحسن والقبح فقال الشيعة انهما عقليان وقال اخرون عكس ذلك والنتيجة انتج مجتمعا جاهليا كاجداده في الجاهلية الأولى (واذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها ابائنا والله امرنا بها قل ان الله لايامر بالفحشاء اتقولون على الله مالاتعلمون) (الأعراف 28)
وبعد ذلك كله انتصر غياب العقل الإنساني وحكم المتوكل والسبب معروف بترك النقاش في القضية والتسليم وإظهار السنة والجماعة !
والجدير ذكره ان لفظة سني لم تكن موجودة بل كانت تطلق على الذين ينكرون اصالة العدل والحسن والقبح والتي كانت مقتصرة على الشيعة والمعتزلة حيث اضمحل المعتزلة أيام المتوكل وبقى متكلموا الشيعة فاصبح كل من ليس شيعيا من اهل السنة والجماعة !
طبعا ليس كل علماء السنة بعد ذلك اختاروا المذهب الاشعري فكثير منهم قالوا باصالة العدل مثل الزمخشري .
6.الذي حصل هو حرب بين الجمود والنضج الفكري وللأسف انتصر الجمود وقد ورد عن النبي (ص) : (قصم كهري رجلان جاهل متنسك وعام متهتك) وفي الحديث أيضا (ان لله على الناس حجتين حجة ظاهرة وحجة باطنة فاما الظاهرة فالرسل والانبياء والائمة واما الباطنة فالعقول)
7.في روح الانسان بؤرتان هما مصدر التجليات الفكرية المنطقية والاستدلال والعلم والفلسفة (العقل) ومصدر التجليات الروحية والعاطفية كالحب والتمني والكره (القلب) ويكون لكل منهم مساره أحيانا يتلاقيان وغابا يفترقان فالعاقل من حكم عقله فقد مر النبي (ص) بشبان يتبارون برفع صخرة فقال اتحبون ان أكون الحكم لاشخص الأقوى بينكم قالوا نعم فقال : اقواكم من اذا غضب او فرح لايخرج زمام نفسه من يد عقله.
8.اذا كان عقل الانسان حرا فانه يقضي عدلا والا فلا فقد يكون رازحا تحت وطاة الرغبات والمؤثرات وهنا يقول علي (ع): (من عشق شيئا اغشى بصره واظلم قلبه) وكذلك يقول : (المؤمن لايصبح ولا يمسي الا ونفسه ظنون عنده)
9.ورد في الحديث (ص) : (ما أخاف على امتي الفقر ولكن أخاف عليهم سوء التدبير) وهنا دعوة صريحة للتعقل والتدبير وان الانسان ليس شرطا ان يتعقل مع العمر وان نعطي للعقل فرصة فقد ورد رجل النبي (ص) وقال عظني فقال له: لاتغضب فقام الرجل وانصرف وعندما وصل وجد قبيلته وقبيلة أخرى على أهبة الاستعداد للحرب وراح يقفز كالاطفال ويلبس لامة حربه ليشعل نار الحرب وفجاة ذكر وصية النبي (ص) فهدا من روعه واعلن في ساحة الوغى انه مستعد لدفع تكاليف المعركة للطرف المقابل مقابل عدم إراقة الدماء فلما راوا منه ذلك تنازلوت عن حقهم وانتهى كل شيء.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق