تحت نظر الجهات الرسمية المسؤولة في محافظة ذي قار كالبلديات والري والمجاري تستمر عملية تلويث نهر الغراف من خلال السماح برمي مياه المجاري القذرة والصرف الصحي فيه، من دون أن تولي هذه الدوائر العناية والاهتمام اللازمين لمعالجة هذه الظاهرة وكأن الأمر لايعنيها؛ وسط تساؤلات المواطنين عن السبب والسر في ذلك الإهمال والصمت أو التبرير الذي تعتمده تلك المديريات بعض الأحيان عبر وسائل الإعلام أو عندما تصدر شكاوى من المواطنين الذين يقطنون المناطق المتاخمة لنهر الغراف ضمن الحدود الإدارية لمحافظة ذي قار، ويبدو أن هذه المشكلة ماتزال معلقة لم تجد طريقها للحل الجذري، بينما تستمر عملية تعرض حياة السكان والكائنات الحيوانية والنباتية للضرر الكبير رغم توافر التخصيصات الهائلة لتلكم المديريات للقيام بمسؤولياتها الحقيقية، ورغم وجود تخصيصات مالية سنوية لمحافظة ذي قار مقتطعة من الموازنة العامة لإنجاز المشاريع الستراتيجية المهمة التي تدخل في صلب حياة السكان والتي تتمثل في إنشاء محطات صرف المياه وتحويلها إلى منافذ أخرى، بعيدا عن نهر الغراف، فأين حل هذه المشكلة وهي من أولويات عمل مجلس المحافظة؟ وهل هذه المشكلة ليست مهمة ولاتشكل هاجسا مخيفا؟
الغراف النهر المهم
يعد نهر الغراف من الأنهار الرئيسية في شمال محافظة ذي قار حيث يتفرع من نهر دجلة وقد تسبب الغراف في بروز آلاف القرى الزراعية منذ مئات السنين وكذلك بعض المدن الصغيرة، وكانت مياهه معروفة بعذوبتها وجريانها المستمر، ويمر النهر بمدينة الفجر ثم قلعة سكر ثم الرفاعي ثم النصر ثم الغراف متجها للمناطق شرق الناصرية ليكون هذا النهر مصدرا لمياه الري والشرب ويستخدمه ربع سكان ذي قار من القرى والمدن الواقعة ضمن الرقعة، ويعد شط الغراف مصدر المياه الوحيد الذي تعتمد عليه مجمعات ومشاريع مياه الشرب الممتدة على طول النهر سواء ضمن مركز محافظة ذي قار مدينة الناصرية او الاقضية والنواحي.
إهمال ما يزال مستمرا
الاهمال الذي طال الغراف منذ سنوات طويلة حوّل معظم أجزائه الى مكبات للنفايات بمختلف أنواعها وأصبح ممرا لتصريف المياه الثقيلة من مجاري المدن والقرى المتخمة له؛ ما أدى الى تشويه جماله البيئي، فعوضا ان يكون متنفسا لسكان المدن التي يمر بها تحول الى مستنقع للنفايات والحشرات والسكراب والمخلفات الطبية السامة، وعندما تسير بالقرب من هذا الشط تجد شبكة عنكبوتية من مجاري الاسواق والمحال التجارية تصب في مياهه.
الغراف مكب للنفايات الاستهلاكية
يقوم أصحاب محال تصليح العجلات برمي قطع الغيار التالفة في نهر الغراف دون معرفة بما تسببه هذه المواد السامة لمياه النهر من تلوث، أما اصحاب الكازينوهات ممن تنتشر كازينوهاتهم على ضفاف النهر فهم الأبشع، لأنهم يرمون بقايا الفحم المحترق وأغلفة الحلويات في الغراف، فتنبعث نتيجة ذلك رائحة كريهة من داخل النهر، فهل يعقل ان لا يرى المسؤولون الرسميون من مختلف الدوائر المعنية في ذي قار ذلك؟ لماذا لايتابعون ما يعاني منه هذا النهر الحيوي؟ أليست هذه كارثة بيئية خطيرة؟ ولماذا لاتمارس السلطات القضائية وظيفتها في معاقبة المتسببين في تلويث النهر وضفافه وشواطئه؟ ولماذا لاتفرض غرامات مالية على كل من يتجاوز على مياهه ومجراه الطبيعي؟
الغراف في ناحية الفجر
نفى مدير بلدية ناحية الفجر علي عبيد وجود نفايات في نهر الغراف في منطقة ناحية الفجر تحديدا قائلا "نحن في ناحية الفجر قضينا على النفايات في شط الغراف، وثمة قانون يعود لوزارة البيئة المرقم 27 لسنة صدر عام 2009 لو تم العمل به لأوقف التجاوزات التي ما تزال تطرأ على مجراه، ومن صلاحيات جميع بلديات ذي قار وبموجب هذا القانون التصدي لجميع التجاوزات وإعادة النهر إلى وضعه الطبيعي، عبر إنشاء شبكة مجاري كبيرة للتخلص من المياه الملوثة وإنشاء وحدات معالجة المياه الثقيلة وتوعية السكان برمي النفايات بمكانها المخصص وتجنب رميها في النهر".
مزارعون متضررون
المزارع عباس فرج الركابي قال "ما تزال النفايات مشكلة تواجه زراعتنا وأن أحد أسباب ضحالة نهر الغراف وانخفاض مستوى مياهه وعدم صلاحيتها للاستهلاك هو وجود النفايات فيه، الناتجة عن تصريف مجاري المدن والقرى المجاورة فيه. كما أن غياب خطط تقليل هدر مياهه من الأسباب التي أدت إلى التأثير سلبيا على الزراعة، وثمة مشاريع منصوبة على الغراف معطلة ماتزال تشكل عائقا أمام مياه الغراف وتحول دون وصولها الى الأراضي الزراعية مما أدى إلى زيادة نسبة الملوحة فيها، وقد أدت هذه المشاكل إلى تقلص نطاق تربية المواشي لعدم وجود أراضي صالحة للزراعة، ونتيجة لذلك خيم شبح الفقر على بعض الفلاحين والمزارعين ممن يقطنون بعض المناطق المحاذية للنهر، لأنهم يعتمدون بنسبة كبيرة على مياه النهر في الزراعة وتدجين المواشي، وبسبب المياه الملوثة ذبلت الكثير من الأشجار والنباتات." يقول المواطن عبدالكاظم عباس وهو مزارع ومربي للماشية وداره تقع على جانب النهر "الجسور المشيدة على الغراف داخل المدن التي يمر بها رغم أهميتها كممر للسيارات والمارة لكنها أصبحت سدودا منيعة لمرور المياه وبالتالي تسببت في حجز مرور كل ما يرمى في النهر من نفايات".
السرطان مرض يسببه تلوث الغراف
قال المواطن أحمد علي: سمعنا أن شط الغراف اصبح سببا للامراض السرطانية جراء ما يرمى فيه من نفايات وانقاض ومخلفات طبية وصناعية ولا ادري لماذا لاتفكر الجهات الرسمية باستثمار حقيقي لضفاف هذا النهر؟
استثمار ضفاف النهر
سألنا المهندس علي كامل، ما هو رأيك بإقامة مشاريع استثمارية على ضفاف الغراف من قبل الشركات الاستثمارية؟ أجاب قائلا "من الممكن ايجاد مشاريع استثمارية من قبل الشركات المتخصصة من خلال إنشاء مدن ألعاب وكازينوهات ومولات تجارية في جميع المناطق السكنية التي يمر بها الغراف لكي تكون مجاوراته نافعة وأمكنة جميلة ومتنفسا للسكان".
المواطن علي عبود يقول: تنبعث من النهر روائح كريهة نتيجة التلوث يشمها كل من يقترب من ضفافه، عوضا عن شم النسائم الطيبة التي تنبعث منه حينما يكون نهرا نظيفا مؤهلا." المزارع سعود فيصل يقول "للأسف ما يزال الغراف عرضة للتلوث فاقدا بذلك مقوماته كنهر للحياة الحيوانية والنباتية، لكن من يبادر لإيقاف التجاوزات على مياهه وضفافه وشواطئه؟
الطفل محمد عاتي الذي يرعى مجموعة من الأغنام وقد تعمد غلق انفه من الروائح الكريهة المنبعثة من النهر يقول "ماتت بعض مواشينا بسبب شربها من مياه النهر " . أما أم عبد تلك المرأة الكبيرة السن العجوز التي لاتعرف كم يبلغ عمرها فتقول "عاصرت العهد الملكي لكنني لم ألمس تلوثا للغراف مثلما يحدث اليوم، أين ذهبت عذوبة مياهه ورائحته الزكية؟"، المواطن واثق عباس يقول "أناشد وزير الموارد المائية أين دوره كوزير لممارسة وظيفته للحد من هذه الظاهرة وتداعياتها؟ ولماذا هذا الإهمال؟ فما يزال النهر يتعرض لنكبة بيئية لذلك نناشد الوزير بالمسارعة لإنقاذه".
وزارة البيئة تخطر الجهات ذات الشأن
وكانت وزارة البيئة قد أخطرت الجهات ذات العلاقة والحكومة المحلية في ذي قار باتخاذ الإجراءات الرادعة لإيقاف التجاوزات المتكررة على نهر الغراف والتي ما تزال تلحق الضرر البالغ بما تسببه من تلوث كبير لمياهه. وقد أكد المتحدث الرسمي لوزارة البيئة أمير علي الحسون ان وزارة البيئة عبرت عن رفضها للتجاوزات من قبل بعض المواطنين على نهر الغراف وذلك بتصريف المياه الثقيلة فيه مباشرة.
دعوى قضائية
مبادرة جيدة قامت بها لجنة الصحة في مجلس محافظة ذي قار في محاولة للحد من ظاهرة تلوث الغراف وإنقاذه، حيث يستنجد السكان الذين يقطنون في المناطق المجاورة له ناهيك عن السكان المنتشرين في المناطق القريبة منه ممن يعتمدون على مياهه في الشرب والتنمية الزراعية والحيوانية، حيث أعلنت لجنة الصحة والبيئة في مجلس محافظة ذي قار، عن رفعها دعاوى قضائية ضد دوائر المجاري والبلديات والري بسبب عدم اتخاذها إجراءات لمنع رمي مخلفات المجاري والصرف الصحي في الأنهر، مشيرة إلى إن رمي تلك المخلفات ما يزال يسبب أمراضا مختلفة بين المواطنين الذي يستخدمون تلك المياه لإغراض الشرب.
وقال رئيس اللجنة علي الغالبي "إن لجنة الصحة قررت حسم قضية استمرار رمي مخلفات المجاري والصرف الصحي في الأنهر ومنها نهر الغراف قانونياً حيث تم تشكيل لجنة وفريق من المحامين لرفع دعاوى قضائية ضد دوائر المجاري والري والبلديات بسبب عدم امتناعها عن رمي تلك المخلفات في الغراف". وأضاف الغالبي "ثمة عدد كبير من محطات مجاري الصرف الصحي المنتشرة على ضفاف نهر الغراف، والتي تبدأ من ناحية الفجر، (117) كم شمال الناصرية) مروراً بمدن قلعة سكر والرفاعي والنصر والشطرة، تلك المحطات ما تزال توظف لرمي مخلفاتها مباشرة إلى النهر من دون معالجة رغم أن رمي تلك المخلفات ما يزال يسبب أمراضا مختلفة بين المواطنين الذي يستخدمون تلك المياه لإغراض الشرب والاستهلاك".
بيئة ذي قار وأجهزة الكشف
خلال الأشهر الماضية كشفت مديرية بيئة محافظة ذي قار، عن عزمها نصب اجهزة متطورة لقياس نسب التلوث وتحديد مصادره، وأخرى لقياس التحسس النائي في المصادر المائية، بكلفة إجمالية بلغت مليارين و600 مليون دينار، وبحسب مديرية بيئة ذي قار فإن نهر الفرات ونهر الغراف مايزالان يتعرضان للتلوث؛ من قبل بعض الدوائر كالطاقة والبلدية والمجاري في أقضية ونواحي شمال مدينة الناصرية بشكل ملحوظ وتم تغريم مديرية الطاقة 500 مليون دينار وتغريم دائرة المجاري67 مليون. وقال المهندس محسن عزيز مدير بيئة ذي قار "إن هنالك تجاوزات من قبل بعض الدوائر الخدمية كالمجاري والبلدية والطاقة في بعض الاقضية، حينما تقوم برمي المخلفات السائلة دون معالجتها." وأضاف "ان دائرته وجهت إنذارات لبعض الدوائر وقد أعدت تقارير فنية حددت من خلالها أماكن رمي الملوثات لغرض اتخاذ الإجراءات القانونية بحق هذه الدوائر اذا لم تلتزم" . لافتا الى ان هذه الملوثات مهما كانت فإن لها آثارها السلبية على الأحياء المائية في النهر و صحة السكان بشكل مباشر."
الغراف يهدد حياة السكان من المسؤول ؟
عوضا عن أين يكون نهر الغراف مصدرا للحياة والاستقرار والنماء والرفاهية تحول بسبب تلوثه إلى أداة بيئية قذرة، لكن ما هي الخطوات العملية التي اتخذتها الجهات المعنية ازاء الغراف؟ هل هي مجرد وعود وتبريرات؟ وأين حقوق المواطن البيئية والصحية؟ هل المواطن لايستحق الاهتمام والرعاية؟ أين تذهب التخصيصات المالية المرصودة للدوائر المعنية؟ أين الأولويات بالنسبة لخطط المشاريع المهمة والستراتيجية في محافظة ذي قار ومنها مشاريع معالجة مياه الصرف الصحي والمجاري؟
الاتحاد
السبت، 30 نوفمبر 2013
تلوث نهر الغراف في ذي قار.. مخلفات المجاري والصرف الصحي تأخذ طريقها إلى النهر
شبكة سيددخيل الاخبارية وكالات
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة
(
Atom
)
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق