بسم الله الرحمن الرحيم
وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)(ال عمران)
قبل ان ندخل في البحث لابد ان نشير الى حقيقتين لايمكن انكارهما والتشكيك فيهما وهما :
الاولى : التخلف العلمي والاقتصادي والسياسي للعالم الاسلامي وهذه بديهة لاتنكر! وطبعا لهذا التخلف اسبابه وجذوره لان الموروث التاريخي هو المؤثر الاكبر في شخصية الامة وخصوصا عصر الامويين والعباسيين والعثمانيين حيث السرف والترف وسوء التوزيع اضف لذلك سلبيات الجبر الالهي والحتمية التي اشاعها حكام بني امية ومن حذا حذوهم فكل مايصيب الانسان من ظلم واجحاف وتمييز من الحاكم عليه ان يسكت لانه من قضاء الله وقدره والاعتراض على قضاء الله كفر يستحق القتل !
الثانية : ان الجبهتين الشرقية والغربية (الشيوعية والراسمالية) لم يحققا للانسان مايصبوا اليه واقول الانسان كل الانسان ولانعني جنسا دون اخر وقد فشل القطبان العلمانيان في تحقيق السعادة الانساانية والنموذج الحضاري الغربي معرض للسقوط بل هو في طريقه ليلتحق بالنموذج الشرقي والتشكيك في هذه الحقيقة كالتشكيك في الاولى!
والواقع.........
يعيش المسلم المعاصر اليوم في ازمة شديدة بين التراث والمعاصرة يصور اهل الحداثة الامر هكذا وان لاسبيل للمسلم الا ان يختار احد الخيارين :
الاول : ان يختار المعاصرة على التراث وبالتالي التخلي عن الذات لان الامم انما تتمايز بموروثها التاريخي !
وهو اختيار سهل لكن تنقصه الحكمة فليس النموذج الغربي النموذج الصالح كما انه قبل خمسة عقود ان كان يتالق فليس الامر كذلك بيومنا هذا!
الثاني : ان يختار التراث على المعاصرة وهو بمعنى التحجر وايقاف عجلة التقدم !
وهكذا فالامة اليوم بين مطرقة المعاصرة وسندان التراث يتخبط سلوكها ويمتزج فعالها فلاهي من اهل التراث ولا هي من اهل المعاصرة !!
وبين ذين وذين ظهرت الحلول التلفيقية وهي كالتالي :
الخيار الاول : ياخذ به طائفة من الكتاب المعاصرين وتفصيله ان ناخذ الاشكال والصيغ من التراث والمضمون من المعاصرة (الكيس من التراث والطحين من الغرب) !!!!
فنأخذ مثلا من الشريعة الولاء والبراء ونترك للمسلم حرية من يتولاه او يتبراه دون قيد او شرط وناخذ من الشريعة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وناخذ من الغرب المعروف والمنكر ولربما معروفهم منكرنا او العكس !
ناخذ من الشريعة عقوبة الجريمة ونترك نوع العقوبة يحددها قانون حقوق الانسان!
ولدينا كلمتان لكتاب هذه الالعوبه :
1- نعتقد ان من يريد الانتقال من التراث الى المعاصرة سيجد فراغا ولايمكن الانتقال بهذه الطريقة لذا حاول هؤلاء ان يملوا الفراغ وبالتالي فان الرجوع الى الشريعة او التراث من هؤلاء بمثابة العلاجات النفسية وليس لعلاج الامة !
واما اذا كان ايمانا منهم بتعاليم الشريعة فان الاسلام كل لايتجزء وقد اكملت الشريعة تشخيص الصيغ والاشكال والمضمون جميعا كما في سورة المائدة (3) (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)
ولم يترك خيارا للتبعيض كما في سورة ال عمران (154) (يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ)
اضف لذلك الاية
وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)(ال عمران)
وكذلك في سورة ال عمران (19) (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ)
بصراحة .....
من الخير لهؤلاء الكتاب ان يصارحوا الناس بما يريدون ويعلنوا صراحة تحررهم عن تعاليم الشريعة كما اعلنها الكثيرون !
والصحيح ان من يدعون للعلمانية صراحة لهم اشجع واصدق من هؤلاء في تبيين مشاريعهم الفكرية !
2- ان الحلول التلفيقية فاشلة دائما فاما الاشكال والمضامين من سنخ الشريعة او من سنخ المعاصرة .
اما التلفيق بين الصيغ والمضامين من ثقافتين مختلفتين لايحقق ماتطلبه الشريع ولا ماتصبوا اليه العلمانية !!!
: الخيار الثاني
ان ناخذ الشكل والمضمون من الشريعة وهنا لانفصد بالشريعة بالمفهوم الغائم الذي يطرحه الكتاب المحدثون باسم (التراث) و (القديم) وانما نقصد بها هدى الوحي المتجذر في تاريخ الامة المؤثر بالتاريخ والتراث لا المتاثر بها .
---------------------------------
سوء التوجيه لطائفة من المفاهيم الاسلامية
يبقى ان نشير الى التوجيه السلبي لطائفة من المفاهيم الاسلامية ومنها مثلا الزهد فهو من صلب المفاهيم الاسلامية بلا ريب ويرى البعض ان المضمون الثقافي والحضاري لقيمة ما كالزهد اذا كان يصلح لمرحلة تاريخية فلايصلح للمرحلة الحاضرة والتمسك بها يؤدي الى تخلف المسلمين ولابد من تبديل هذه القيمة الى قيمة معاصرة وهي الاقبال على الدنيا والكدح والخ!
ان هذه الاثارات نابعة من الخطا في توجيه وفهم المفاهيم الاسلامية والا من قال بان الزهد يتعارض والكدح والعمل !
والقران يقول في سورة القصص (77) (وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا) وقال في سورة الجمعة (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10))
والجدير ذكره ان معنى الزهد هو التحرر من الدنيا فقد يكدح الانسان لكسب الدنيا واعمارها دون ان ينشغل بها .
ان الاسلام لا يرفض الدنيا ولكنه يمقت عبادتها !
فقد ذم امير المؤمنين رجلا يذم الدنيا وقال :
(أَيُّهَا اَلذَّامُّ لِلدُّنْيَا اَلْمُغْتَرُّ بِغُرُورِهَا اَلْمُنْخَدِعُ اَلْمَخْدُوعُ بِأَبَاطِيلِهَا أَ تَفْتَتِنُ تَغْتَرُّ بِهَا ثُمَّ تَذُمُّهَا أَنْتَ اَلْمُتَجَرِّمُ عَلَيْهَا أَمْ هِيَ اَلْمُتَجَرِّمَةُ عَلَيْكَ مَتَى اِسْتَهْوَتْكَ أَمْ مَتَى غَرَّتْكَ أَ بِمَصَارِعِ آبَائِكَ مِنَ اَلْبِلَى أَمْ بِمَضَاجِعِ أُمَّهَاتِكَ تَحْتَ اَلثَّرَى كَمْ عَلَّلْتَ بِكَفَّيْكَ وَ كَمْ مَرَّضْتَ بِيَدَيْكَ تَبْتَغِي لَهُمُ اَلشِّفَاءَ وَ تَسْتَوْصِفُ لَهُمُ اَلْأَطِبَّاءَ غَدَاةَ لاَ يُغْنِي عَنْهُمْ دَوَاؤُكَ وَ لاَ يُجْدِي عَلَيْهِمْ بُكَاؤُكَ لَمْ يَنْفَعْ أَحَدَهُمْ إِشْفَاقُكَ وَ لَمْ تُسْعَفْ فِيهِ بِطَلِبَتِكَ وَ لَمْ تَدْفَعْ عَنْهُ بِقُوَّتِكَ وَ قَدْ مَثَّلَتْ لَكَ بِهِ اَلدُّنْيَا نَفْسَكَ وَ بِمَصْرَعِهِ مَصْرَعَكَ إِنَّ اَلدُّنْيَا دَارُ صِدْقٍ لِمَنْ صَدَقَهَا وَ دَارُ عَافِيَةٍ لِمَنْ فَهِمَ عَنْهَا وَ دَارُ غِنًى لِمَنْ تَزَوَّدَ مِنْهَا وَ دَارُ مَوْعِظَةٍ لِمَنِ اِتَّعَظَ بِهَا مَسْجِدُ أَحِبَّاءِ اَللَّهِ وَ مُصَلَّى مَلاَئِكَةِ اَللَّهِ وَ مَهْبِطُ وَحْيِ اَللَّهِ وَ مَتْجَرُ أَوْلِيَاءِ اَللَّهِ اِكْتَسَبُوا فِيهَا اَلرَّحْمَةَ وَ رَبِحُوا فِيهَا اَلْجَنَّةَ فَمَنْ ذَا يَذُمُّهَا وَ قَدْ آذَنَتْ بِبَيْنِهَا وَ نَادَتْ بِفِرَاقِهَا وَ نَعَتْ نَفْسَهَا وَ أَهْلَهَا فَمَثَّلَتْ لَهُمْ بِبَلاَئِهَا اَلْبَلاَءَ وَ شَوَّقَتْهُمْ بِسُرُورِهَا إِلَى اَلسُّرُورِ رَاحَتْ بِعَافِيَةٍ وَ اِبْتَكَرَتْ بِفَجِيعَةٍ تَرْغِيباً وَ تَرْهِيباً وَ تَخْوِيفاً وَ تَحْذِيراً)
--------------------------
كيف يكافيء المحدود اللامحدود ؟؟!!
شبهة يثيرها المحدثون وهي كيف يمكن تغطية المساحة غير المحدودة من شؤون الانسان بالنصوص الشرعية المحدودة ؟
فان الزمان في تمدد والنصوص ثابتة ؟
والجواب
اولا :ان طائفة من التصوص تشكل قواعد فقهيه تتمدد مع الزمان والمكان فالوفاء بالعقود والوفاء بالكيل وحرمة الربا الخ قواعد لاعلاقة لها بزمان او مكان !
ثانيا : فتحت الشريعة بابا واسعا وذلك باعطاء صلاحيات الى الحاكم الشرعي فيحق له ان يلزم الناس مستحبا او يحرم مباحا بمقتضى المصلحة .
ثالثا : مكنت الشريعة الفقيه من استخدام العناوين الثانوية في الفقه لتغيير الحكم الشرعي حسب ضوابط الشريعة فالغسل والوضوء عند الضرر ينقلبان الى تيمم وبالغبن في المعاملة يرفع الالزام العقدي والحرج في امتثال الحكم الشرعي يرفع الوجوب .
اذن فقه يملك هذه الدرجة العاليه من الكفاءة والمرونة لن يواجه ازمة زمانية او مكانية .